المعركة الصعبة والمكلفة التي خاضها الجيش اللبناني، صارت اشبه بحدث عادي. فبعد صخب اعلامي حول المدنيين والخطوط الحمر وما الي ذلك، توقف النقاش، وتحول المخيم المنكوب جزءا من الحياة العادية في لبنان والعالم العربي. لم تعد الصحافة معنية الا بأرقام القتلي من الجيش اللبناني وجماعة شاكر العبسي، وصار مشهد الدمار الهائل في المخيم جزءا من المشهد اليومي العادي لا اريد العودة الي مناقشة بائسة شبهت الجيش اللبناني بجيش الاحتلال الامريكي في العراق. فهذا النوع من الكلام فقد صدقيته، وصار مجرد واجهة ثقافية لعجز من يلتحق بالتيارات الاصولية لأنه لا يجرؤ علي قراءة تعقيدات الواقع.ضرورة التخلص من جماعة العبسي، وفتح الاسلام التي نجحت في خطف المخيم تمهيدا لتحويله قاعدة لامارة تكفيرية في الشمال اللبناني، ليست موضوع جدل او نقاش. لكن السؤال الذي يجب ان لا يغيب عن بالنا هو ماذا جري كي تفقد فلسطين مناعتها الوطنية في هذا الشكل. حرب نهر البارد ليست اول حرب في مخيم فلسطيني، لكننا لم نشهد في المخيمات المنكوبة ظاهرة نزوح شامل في وسط اتون المعارك تل الزعتر الذي سوي بالارض واستبيح، لم يغادره سكانه الا لحظة سقوطه في ايدي الميليشيات اللبنانية اليمينية، التي ارتكبت فيه واحدة من ابشع المجازر. اما مخيم شاتيلا المنكوب بالمذبجة الكبري، فان سكانه لم يغادروه بل صمدوا تحت اكثر الظروف فظاعة. لم يسبق لمخيم فلسطيني ان واجه هذا البؤس الذي يعيشه نهر البارد. خرج جميع السكان، وتركوا مخيمهم ملعبا للموت، بعدما نجح شاكر العبسي وجماعة فتح الاسلام في احتلال المخيم. اي انها المرة الأولي في تاريخ نكبات ما بعد النكبة، التي يتصرف فيها الشعب الفلسطيني وكأنه غير معني بالمخيم، والتوقف عند هذه الواقعة يتجاوز في رأيي الظرف الراهن. يستطيع التحليل العقلاني ان يدلنا علي مواقع الخطأ التي اوصلت نهر البارد الي بؤس المصير هذا: الهيمنة المخابراتية السورية وخصوصا علي مخيمي البارد والبداوي، تشجيع الانشقاقات في الساحة الفلسطينية، سياسة الاغتيالات المنظمة للكوادر الفتحاوية في لبنان..القمع المديد والطويل، وتعليب منظمات منشقة باسم الوطنية، واستباحة حرمة الدم الفلسطيني في حرب المخيمات المشؤومة، ما كان لها ان توصل الوضع الفلسطيني في لبنان الي الحضيض المأساوي في نهر البارد، لولا فقدان المناعة الوطنية. عاملان متداخلان افقدا القضية الفلسطينية مناعتها: العامل الأول هو التباس اوسلو وغموضه، مما ترك الشتات الفلسطيني في اليتم الكامل. لم تعد منظمة التحرير معنية في شكل حقيقي باوضاع المخيمات. وهذا لا يشمل فقط اهمال اسر الشهداء واهمال العمل التنظيمي، بل شمل غموض الأفق السياسي. لقد خرجت منظمة التحرير من لبنان لتحل في مكانها مجزرة صبرا وشاتيلا. وبطولات الفدائيين الفلسطينيين في مقاومة حرب المخيمات اثمرت في الانتفاضة الاولي. لكن الضياع الوطني، وفساد السلطة، واوهام السلام، تركت مخيمات الشتات من دون قيادة سياسية، مما احدث فراغا، جاعلا من مقاومة التفتيت الذي نظمته اجهزة الاستخبارات السورية، مسألة شبه مستحيلة. العامل الثاني هو انسداد الأفق الوطني الفلسطيني، بعد هزيمة الانتفاضة الثانية وصعود حركة حماس. لقد اوحي الصعود الأصولي بأن فلسطين كقضية وطنية لشعب يعاني الطرد والاحتلال تمت اذابتها في قضية اكبر، وصارت جزءا من حرب عالمية تمتد من طهران الي ادغال افغانستان وبوادي العراق. ولم يكن انزال العلم الفلسطيني واستبداله بالعلم الأخضر، في غزة، مجرد تفصيل او خطأ صنعه بعض المتحمسين. بل كان اشارة الي احتمالات اذابة قضية فلسطين، وتحويلها صراعا دينيا بلا افق. واجتماع هذين العاملين حطم حرمة المخيم الفلسطيني. المخيم الذي شكل حاضنة الذاكرة الفلسطينية، وخزان الثورة، تحول فجأة الي ما يشبه الكرة التي تتقاذفها اقدام اللاعبين الاقليميين، ووجد اللاجئون انفسهم في العراء الكامل. الصمود مع مجموعة خطفت المخيم لا معني له، والنزوح الي البداوي سم لا بد من شربه. هكذا، وفي لحظة سوداء تحطمت فكرة المخيم، وصار اللاجئ الفلسطيني بلا ملجأ سياسي او ثقافي او اخلاقي.وهنا الكارثة. الفصائل الفلسطينية لم تستطع التخلص من مرض زرعته المخابرات السورية، ونما في ظل موجة تكفيرية اصولية، صارت اليوم اداة في يد النظام الديكتاتوري. ومنظمة التحرير اعلنت عجزها وافلاسها، مما يعني ان الشتات الفلسطيني صار مكشوفا، وان ما يعيشه البارد اليوم لا يشبه الا ارتدادات النكبة عام 1948. ومع ذلك لا يجد المراقب صدي للكارثة في اوساط القوي الفلسطينية الرئيسية. حماس مشغولة بسلطتها في غزة وبحلفها الدمشقي، وفتح مشغولة بترميم سلطتها في الضفة وبأوهام سلام لا يزال ابعد مما يظن المتشائمون. وفي الاثناء يتم تحطيم امخيم وتفقد فلسطين مناعتها كأننا لا نعي معنـــي الكارثة، او كأن اغماض العيون يقود الي النجاة! وتجربة مخيم نهر البارد بكارثيتها قابلة للاستنساخ في اكثر من مخيم فالظروف التي ادت الى مأساة نهر البارد ما زالت حاضرة فتح ما زالت غارقة بمشاكلها وأخرها ( وليس أخيرها ) المؤتمر العام السادس والخلافات الفتحاوية حول تنازع السيطرة على المخيمات في لبنان ما زالت على أشدها وعباس زكي ممثل منظمة التحرير في لبنان منشغلا في حملة علاقات عامة واعتذارات لهذا الطرف وذلك والتنظيمات الاصولية ما زالت تستجلب السلاح وتخزنه في المخيمات ليس للدفاع عن هذه المخيمات امام العدو الصهيوني بل كجزء من المشروع السوري في لبنان ان دخول الجيش اللبناني الى المخيم كانت سابقة خطيرة وفتح لم تستطع حسم امرها في انهاء ظاهرة العبسي ولو بالقوة المسلحة حتى لا يشكل دخول الجيش اللبناني الى المخيم امرا عاديا يستبيح بعده كافة المخيمات
16:09
3asefa
0 comments:
Post a Comment