وسائل الأستراتيجية : ... قلنا في العدد السابق أن هدف الأستراتيجية هو التفتيت الأستراتيجي للخصم ( ماديا ومعنويا ) ، اذ يؤدي هذا التفتيت الى ثني ارادة العدو أمام ارادتنا في حوار الأرادات .. وللوصول الى هذا التفتيت الأستراتيجي وسائل مادية ومعنوية متعددة ، تختلف باختلاف الوضع الراهن ، وتكمن المهارة الأستراتيجية في حسن اختيار الوسائل التي تؤمن توافق الهدف مع الأمكانيات ، وتخلق التفتيت المادي والمعنوي المطلوب . ولا يمكن اجراء هذا الأختيار بناء على افكار مسبقة جامدة ،، فهو اختيار نابع من المتطلبات العملية لظروف الصراع و " لا يمكننا بأي حال من الأحوال في أية مناورة استراتيجية أن نقيد أنفسنا بأية قيود ، فكل شيء يتوقف على النسبة بين القوى " ويتعلق اختيار الوسائل بمعرفة العدو ، وتحديد نقاط قوته وضعفه ، ومقارنتها مع امكاناتنا الفعلية ،، لهذا ينبغي دائما تحديد العدو الذي ينبغي توجيه الضربة الرئيسية اليه ، ونقطة الضعف عنده ، وهل هي معنويات القادة والزعماء السياسيين أم القوات المسلحة ، أم السكان أم العاصمة والمراكز الصناعية ، أم الحلفاء ؟؟ ، عندها نستطيع تحديد الوسيلة المطلوبة . وهل هي سياسية أم عسكرية تقليدية أم مؤامرات وفتن داخلية أم حرب عصابات طويلة الأمد ؟؟ بحيث تؤدي هذه الوسيلة الى تحقيق الأثر الحاسم المطلوب . ،، وما أن نحدد الوسائل ، حتى يكون بوسعنا وضع المخطط الأستراتيجي مع توقع ردود فعل الخصم ، وردود الفعل الوطنية والعالمية ، وأعداد العدة لدرء كل المفاجآت ، وسد الثغرات التي يفتحها في مخططنا كل تصرف معاكس يقوم به العدو خلال حوار الأرادات ، آخذين بعين الأعتبار بأن مخططنا قابل للتعديل عند تبدل الظروف الموضوعية ،، أذ لا بد من " تغيير طرق الصراع ضد العدو تبعا لتغيرات الموقف " . واذا درسنا " التفتيت الأستراتيجي المادي " كهدف من أهداف الأستراتيجية في حرب تقليدية ، وجدنا أن بوسعنا تحقيقه بحركة واسعة تؤدي الى احدى النتائج التالية 1 – اضطراب تشكيلة العدو بشكل يدفعه الى تبديل توزيع وتشكيل قواته 2 – تشتيت قوات العدو 3 – تهديد خطوط تموينه 4 – تهديد خطوط تراجعه ويختلف تأثير هذه الحركة اختلافا ملحوظا بناء على تنظيم الجيش المعادي ، وأساليب تموينه ، ونوعية قادته ، ومستوى معنوياته ، وطبيعة الأرض ، وخطوط الأمداد والمواصلات .. الخ ،، أما " التفتيت المعنوي " فيتم الوصول اليه بالتأثير على أفكار القادة .. ويزيد التأثير المعنوي اذ ما لاحظ القائد المعادي بأنه في موقف غير ملائم ، وشعر بعجزه عن مقاومة حركة العدو . ويصل هذا التأثير ذروته عند الشعور بالسقوط في الفخ بعد ضربة مادية على المؤخرات ! ، لأن الضربة الخلفية تجبر العدو على الألتفاف لصدها ، أي على القيام بحركة تسبب اختلال توازنه .. ! وتهدف حركة الألتفاف حول الأجناب أو ضرب المؤخرات الى سلوك " أقل السبل مقاومة " ، ويعادلها على الصعيد النفسي القيام بعمل غير متوقع ويلعب التشتيت هنا دورا رئيسيا اذ أنه يحقق مشاغلة العدو ماديا ومعنويا ، ويجبره على بعثرة قواته ووسائله ، ويضعه في وضع نفسي قلق ، ويساعدنا قي الوقت نفسه على تطبيق مبدأ تجمع القوى ضد نقاط العدو الضعيفة . وللحصول على التفتيت الأستراتيجي في ( حرب ثورية طويلة الأمد ) لابد لقوات العصابات من استخدام اساليب وتكتيكات متلائمة مع وضعها وقوتها ، والقيام بعمليات تشتيت ومشاغلة ، وتسديد ضربات مفاجئة سريعة متعددة ، تهدد أمن العدو ، وتضرب مؤخراته ، وتنهك مع المدى الطويل قوى ومعنويات جزء كبير من جيشه ، وتجبر جزءا آخر على التبعثر، .! أي أنها تضع العدو في وضع مادي ومعنوي يسمح لأي ضربة لاحقة بالحصول على أفضل نتيجة ان لم يكن على نتيجة حاسمة !! النماذج الأستراتيجية : نورد النماذج الواقعية التالية على سبيل الأمثلة الأسترشادية 1 – اذا كانت الوسائل قوية جدا ( أو كان اندلاع الصدام المتوقع يؤدي حتما الى استخدام امكانيات شعوب حليفة قوية ) وكان سبب النزاع صغيرا ، فان مجرد التلويح بهذه الوسائل كاف لأجبار الخصم على قبول الشروط المفروضة عليه ، أو على التخلي عن محاولاته وتطلعاته . 2 – اذا كان سبب النزاع صغيرا ، والأمكانيات محدودة لا تكفي لتحقيق تهديد الحسم ، فان البحث عن النتيجة الحاسمة يتم عبر أعمال خداع ومخاتلة سياسية ودبلوماسية واقتصادية .. وتتلاءم هذه الأستراتيجية مع الحالات التي يكون فيها حقل حرية العمل العنيف محدودا . 3 – اذا كان حقل حرية العمل العنيف مجدودا ، والوسائل محدودة أيضا ، ولكن الهدف كبير ، تم الوصول الى النتيجة الحاسمة بسلسلة من الأعمال المتعاقبة بقوات محدودة وعمليلت محلية ، مع تأمين توافق الضغط المباشر اذا لزم الأمر .. وتلائم هذه الأستراتيجية الشعوب القوية دفاعيا ، أو المحمية بموانع طبيعية ، والراغبة بالوصول الى نتائج كبيرة بصورة متدرجة ، دون أن تستخدم وسائل كبيرة في العمليات الهجومية .. 4 – اذا كان حقل حرية العمل العنيف كبيرا ، ولكن الوسائل المتوفرة ضعيفة لاتكفي للحصول على نتيجة عسكرية حاسمة ، أمكن اللجوء الى استراتيجية " صراع طويل الأمد " ، يرمي الى اتعاب العدو وانهاكه معنويا . وقد تكون الوسائل المستخدمة بدائية ولكن اساليب استخدامها ( حرب شاملة تعتمد على حرب عصابات عامة في كل مكان ) تجبر العدو على بذل جهد أكبر بكثير من أن يستطيع تحمله الى مالانهاية .. 5 – اذا كانت الوسائل العسكرية المتوفرة قوية بشكل كاف ، تم البحث عن النتيجة الحاسمة بالعمل العسكري على شكل صراع عنيف قصير الأمد ان أمكن ..... !! وأخيرا (( للتنويه )) نقول أنه ليس هناك أمر أشد ضررا من اختيار استراتيجية نجحت في زمان ومكان معينين ، ومحاولة تطبيقها بصورة استنساخية في زمان ومكان آخرين !! ،، وما ينقذ الشعوب والدول من مثل هذه الأخطاء هو وجود فكر قوي ، قادر على التحليل والتركيب ، وفهم تأثير مختلف القوى العلمية والواقع ، وبين الغاية المرجوة والوسيلة المتوفرة لخلق استراتيجية ملائمة واقعية حية قابلة للتطور والفعل والتفاعل حتى تصل الى الغلبة في حوار الأرادات ..... !!
16:12
3asefa
0 comments:
Post a Comment